فصل: استقدام سليمان بن طاهر لولاية بغداد.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.استقدام سليمان بن طاهر لولاية بغداد.

قد تقدم لنا أن محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين كان على العراق والسواد وكانت لهم الشرطة وغيرها كان مقيما ببغداد وكان في المدافعة عن المستعين لما لجأ إليه ثم صلح مابينه وبين المعتز واستقل المعتز بالخلافة والآثار المذكورة ثم هلك آخر سنة ثلاث وثمانين أيام المعتز وفوض ما كان بيده من الولاية إلى أخيه عبيد الله نازعه ابنه طاهر في الصلاة عليه ومالت العامة مع أصحابه طاهر والقواد مع عبيد الله لوصية أخيه ثم أمضى المعتز عهد أخيه وخلع عليه وبذل لصاحب الخلع خمسين ألف درهم ثم بعث المعتز عن سليمان بن عبد الله بن طاهر من خراسان وولاه على العراق والشرطة وغيرها مكان أخيه محمد وعزل أخاهما عبيد الله فلما علم عبيد الله تقدم سليمان أخذ ما في بيت المال وانتقل إلى غربي دجلة وجاء سليمان وقائده محمد ابن أوس ومعه جند من خراسان فأساؤا السيرة في أهل بغداد فحنق الناس عليهم وأعطى أرزاقهم مما بقي في بيت المال وقدمهم على جند بغداد وشاكريها فاتفق الجند على الثورة وفتقوا السجون وعبر ابن أوس إلى الجزيرة واتبعه الجند والعامة فحاربهم وانهزم وأخرجوه من باب الشماسية ونهب من منزله قيمة ألفي ألف درهم ومن الأمتعة ما لا يحصر ونهب منازل جنده ورأى سليمان أن يسكن الثائرة فأمر بالخروج إلى خراسان ثم كانت الفتنة في خلع المعتز وولاية المهدي كما يذكر وبعث المهتدي سلخ رجب من سنة خمس وخمسين إلى سليمان ليأخذ البيعة له ببغداد وكان أبو أحمد بن المتوكل ببغداد قد بعثه إليها المعتز فنقله سليمان إلى داره ووثب الجند والعامة لذلك واجتمعوا بباب سليمان وقاتلهم أصحابه مليا ثم انصرفوا وخطب من الغد للمعتز فسكنوا ثم ساروا ودعوا إلى بيعة أبي أحمد وطلبوا رؤيته فأظهره لهم ووعدهم بما طلبوا فافترقوا ووكل بحفظ أبي أحمد ثم بايع للمهتدي في شعبان من تلك السنة.

.خبر كرخ اصبهان وأبي دلف.

قد تقدم لنا شأن أبي دلف أيام المأمون وأنه كان مقيما بكرخة وأن المأمون عفاله عما وقع منه في القعود عن نصره وأقام بتلك الناحية وهلك فقام ابنه عبد العزيز مكانه ولما كانت أيام الفتنة تمسك بطاعة المستعين وولى وصيف على الجبل وأصبهان فكتب إلى عبد العزيز باستخلافه عليها وبعث عليه بالخلع وعقد المعتز لموسى بن بغا الكبير في شهر رجب من سنة ثلاث وخمسين على الجبل وأصبهان فسار لذلك وفي مقدمته مفلح فلقيه عبد العزيز بن أبي دلف في عشرين ألفا خارج همذان فتحاربا وانهزم عبد العزيز وقتل أصحابه وسار مفلح إلى الكرخ فخرج إليه عبد العزيز وقاتله ثانية فانهزم واستولى مفلح على الكرخ ومضى عبد العزيز إلى قلعة نهاوند فتحصن بها وأخذ مفلح أهله وأمه ثم عقد له وصيف سنة اثنين وخمسين على أعمال الجبل ثم عقد لموسى بن بغا فسار وفي مقدمته مفلح فقاتله عبد العزيز فانهزم وملك مفلح الكرخ وأخذ ماله وعياله ثم ملك عبد العزيز وقام مكانه ابنه دلف وقاتله القاسم بن صبهاه من أهالي أصبهان ثم قتل القاسم أصحاب أبي دلف وولوا أخاه أحمد بن عبد العزيز سنة خمس وستين وولاه عمر الصفار من قبله على أصبهان عندما ولاه عليها المعتمد سنة ست وستين وحاربه كغليغ التركي سنة تسع وستين فغلبه أحمد وأخرجه إلى الصميرة وبعث إليه عمر سنة ثمان وستين في المال فبعث إليه ثم سار الموفق سنة ست وسبعين يريد أحمد بأصبهان فشاغله أحمد عن البلد وترك داره بفرشها لنزول الموفق ثم مات أحمد سنة ثمانين وولى أخوه عمر وأخوه بكير يرادفه وقاتلا رافع بن الليث بأمر المعتضد فهزمهما كما يأتي ذكره ثم قلده المعتضد أصبهان ونهوند والكرخ عمر بن عبد العزيز سنة احدى وثمانين ثم راجعا الطاعة.

.خلع المعتز وموته وبيعة المهتدي.

كان صالح بن وصيف بن بغا متغلبا على المعتز وكان كاتبه أحمد بن إسرائيل وكانت أمه قبيحة ووزيرها الحسن بن مخلد وكان أبو نوح عيسى بن إبراهيم من كبار الكتاب وجباة الأموال وطلب الأتراك أرزاقهم وشغبوا فقال صالح للمعتز: هذه الأموال قد ذهب بها الكتاب والوزراء وليس في بيت المال شيء فرد عليه أحمد بن إسرائيل وأفحش في رده وتفاوضا في الكلام فسقط صالح مغشيا عليه وبتادر أصحابه بالباب فدخلوا منتضين سيوفهم فدخل إلى قصره فأمر صالح بالوزراء الثلاثة فقيدوا وشفع المعتز في أمره وزيره فلم يقبل شفاعته وصادرهم على مال جليل حملوه فلم يسد شيا فلما فعلوا بالكتاب ما فعلوا من المصادرة إتهم الجند أنهم حملوا على مال ولم يكن ذلك فشفعوا في طلب أرزاقهم وضمنوا للمعتز قتل صالح بن وصيف على خمسين ألفا يبذلها لهم وسألهم من أمه فاعتذرت فاتفقت كلمتهم على خلعه ودخل إليه صالح بن وصيف ومحمد بن بغا المعروف بأبي نصر وبابكيال وطلبوه في الخروج إليهم فاعتذر لهم وأذن لبعضعم في الدخول فدخلوا وجروه إلى الباب وضربوه وأقاموه في الشمس في صحن الدار وكلما مر به أحد منهم لطمه ثم أحضروا القاضي ابن أبي الشوارب في جماعة فأشهدهم على خلعه وعلى صالح بن وصيف بأمانه وأمان أمه وأخته وولده وفرت أمه قبيحة من سرب كانت اتخذته بالدار ثم عذبوا المعتز ثم جعلوه في سرب وطموا عليه وأشهدوا على موته بني هاشم والقواد وذلك آخر رجب من سنة خمس وخمسين بايعو المحمد ابن عمه الواثق ولقبوه المهتدي بالله عندما خلع المعتز نفسه وأقر بالعجز والرغبة في تسليمها إلى المهتدي وبايعه الخاصة والعامة وكانت قبيحة أم المعتز لما فعل صالح بالكتاب ما فعل قد نفرا منهم على الفتك بذلك بصالح ونمي ذلك إليه فجمع الأتراك على الثوران وأيقنت قبيحة بالهلاك فأودعت ما في الخزائن من الأموال والجواهر وحفرت سربا في حجرتها هربت منه لما أحيط بالمعتز ولما قتل خشيت على نفسها فبعثت إلى صالح تستأمنه فأحضرها في رمضان وظفر منها بخمسمائة ألف دينار وعذبها على خزائن تحت الأرض فيها ألف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار ومقدار مكوك من الزبرجد لم ير مثله ومقدار مكوك آخر من اللؤلؤ العظيم وجراب من الياقوت الأحمر القليل النظير وذمها الناس بأنها عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار ومعها هذا المال ثم سارت إلى مكة فأقامت هنالك وقبض صالح على أحمد بن إسرائيل وزيد بن المعتز وعذبه وصادره ثم قبض على أبي نوح وفعل به مثله وقبض على الحسن بن مخلد كذلك ولم يمت وبلغ المهتدي ذلك فنكره وقال: كان الحبس كافيا في العقوبة ولأول ولاية المهتدي أخرج القيان والمغنين من سامرا ونفاهم عنها وأمر بقتل السباع التي كانت في دار السلطان وطرد الكلاب ورد المظالم وجلس للعامة وكانت الفتن قائمة والدولة مضطربة فشمر لإصلاحها لو أمهل واستوزر سليمان بن وهب وغلب على أمره صالح بن وصيف وقام بالدولة.